مسلسل فايكينج بين الحقيقة و الخيال .. هل عاش راغنار في الحقيقة ؟


مسلسل فايكينجز "Vikings" هو بلا شك من أنجح المسلسلات التي عُرضت على الإطلاق . نجاحه هذا راجع بالأساس للفترة الزمنية التي تدور أحداثه خلالها، و التي ناذراً ما نرى أعمالاً سردت شيئا من وقائعها . كما ساهمت محاولاته للتقرب من الوقائع التاريخية في جزء كبير من هذا النجاح.
 

مايكل هيرست "Micheal Hirst" صانع و منتج هذه السلسة التي تعرض على قناة "History" اعتمد على تسجيلات تاريخية، اضافة للملاحم التي كتبتها الشعوب الإسكندنافية، و هي مجموعة كبيرة من الكتابات تعود للقرن الثالت عشر الميلادي، و تضم قصصاً و أشباه أساطير عن رحلات رجال الفايكينجز ما بين سنتي 930 و 1030 ميلادية .

يوجد ذكر لـ "راغنار لوثبروك Ragnar Lothbrok " في السجلات التاريخية الأوروبية، كما وجد نظير له في الكتابات الإسكندنافية و التي وصفت راغنار ملكاً للدنمارك و بطلا دائع السيط، عاش في القرن التاسع الميلادي . اذاً هل شخصية راغنار مطابقة لما صورته لنا السلسلة التلفزيونية ؟

من خلال الملاحم الإسكندنافية فراغنار أصبح ملكا للدنمارك انطلاقاً من سنة 804 ميلادية خلفاً لوالده "Sigurd Ring"، تميز راغنار بذكائه و شجاعته اضافة الى مهارته في الإقناع . تزوج راغنار ثلات مرات، الأولى "لاغرتا Lagertha : المرأة المحاربة" و بعدها "أوسلوغ Aslaug : الأميرة المحاربة" ثم "Thora Borgarhjört" . و رزق بالعديد من الأبناء أشهرهم "Björn Ironside"، "Ubba"، "Ivar the Boneless"، "Halfdan" و "Sigurd Snake-in-the-Eye" . الجدير بالذكر أنهم شخصيات تاريخية حقيقة، بحيث برز اسم راغنار و أبنائه خلال الغزو الإسكندنافي لإنجلترا انطلاقاً من سنة 865 ميلادية . هذه الغارات التي قادها أبناء راغنار مع جيشهم الوثني العظيم كما أطلق عليه في السجلات التاريخية الإنجليزية، و التي (الغارات) حسب الأساطير الإسكندنافية كانت ردا على "أيلاÆlla " -والذي كان ملكا على "Northumbria" و التي هي جزء من انجلترا حاليا - بعد رميه راغنار في بئر مليئ بالثعابين السامة و موته نتيجة للَّضغ . و بحلول سنة 870 ميلادية أسس الجيش الوثني العظيم منطقة دنماركية على الأراضي الإنجليزية أسموها "Danelaw" .
كل هذه الأحداث عجلت ببدأ مرحلة جديدة من التاريخ الإنجليزي : مرحلة توحيد انجلترا تحت علم واحد .


و في نظرية أخرى، تمَّ ربط راغنار برجل أطلق عليه "Raginheri" و هو رجل حرب من الفايكينجز عُرف بترهيبه أوروبا الغربية خلال أربعينيات القرن التاسع الميلادي، و الذي حاصر باريس سنة 845 ميلادية بعد أن تغلب على الجيوش التي أرسلها لمواجهته ملك المنكقة أنذاك "Charles the Bald"، ليقوم بعدها بشنق 111 مسيحيا و يطلب الفدية مقابل عدم دخول باريس، فما كان لتشارلز الا أن ينفذ مطالبه . و تذكر السجلات أن "ريجينييري" توفي بعدها بوقت قصير بسبب المرض .

لكن ما يجعل هذا الربط مستحيلا هو سبب و زمن الوفاة، بحيث في الأسطورة مات راغنار نتيجة رميه في مليء بالثعابين من طرف الملك أيلا بعد حوالي 20 سنة من حصار باريس .

بإختلاف النظريات و تعدد الرؤى حول شخصية راغنار، يرى بعض المؤرخين أن القصص التي وصلت لنا ربما هي نتاج خليط لقصص و أوصاف عدة رجال بارزين من الفايكينجز الذين ألهمت بطولاتهم الملاحم الإسكندنافية، و جمعت في شخصية واحدة هي راغنار لوثبروك .
من جهة أخرى صانع السلسلة مايكل هيرست لم يخفي اضافته لعناصر درامية خيالية، كظهور الألهة لبعض الشخصيات نتيجة للذعر أو الهلوسة . فمثلا ظهور الإله "Odin" في ساحة المعركة في أولى حلقات المسلسل، كان تجسيدا لإيمان الفايكينجز فهم يعتقدون أنه بعد كل معركة يأتي أودين لإختيار الرجال الذين سيرافقونه لـ "Valhalla" و هو مرادف للجنة يذهب له المحاربون الشجعان بعد موتهم . ما ظهر أيضا في شكل خيالي في المسلسل هو التقمص، بحيث يؤمن الفايكينجز بأن ألهتهم تستطيع اتخاذ أشكال حيوانات على الغراب، البومة و الذئب .


من الأنتقادات التي واجهت المسلسل هو دور المرأة خلال عصر الفايكينجز و بالظبط شخصية "لاغرتا" زوجة راغنار، فالبعض رفض فكرة المرأة المحاربة و رأى أن في الأمر تجاوز كبير . لكن ما قد يجعل هؤلاء النقاد يتراجعون عن فكرتهم هو الإكتشاف الذي أُعلن عنه في سبتمبر2017 ، و الذي له سلة مع "محارب بيركاBirka Warrior " . محارب بيركا هو اسم أطلق على هيكل عظمي أكتشف سنة 1880 في منطقة بيركا السويدية داخل غرفة تعود للقرن العاشر الميلادي، و قد اعتقد العلماء لسنوات أنها تعود لمحارب ذكر بسبب طريقة دفنه و الأسلحة و الحصان الذي وجدوه مدفونا في جانبه . و في سنة 2016 قام مجموعة من الباحثين في كل من جامعتي ستوكهولم و أبسالا بالسويد بإعادة تقييم الإكتشاف، و بإستخدام الإختبار الجيني لم يجدوا الكروموسوم Y في خلايا العظام، ممَّا يؤكد على أن محرب بيركا هو محاربة في الأصل . هذا الكشف استطاع تحدي الإفتراضات السابقة و جدد أهمية التفكير في دور الجِنسَين خلال عصر الفايكينجز .

محاربة بيركا

من خلال جميع النقاط التي تطرقنا لها يبدو لنا جلياً أن صانع السلسة حاول الحفاظ على مطابقة نصِّه للأحداث التاريخية، و يعقب مايكل هيرست على هذا الأمر :

 "ان كل شيء في السلسلة مبني على أحداث تاريخية فهي تعتمد على أبحاثي في الملاحم و التاريخ و لدي مستشارون تاريخيون لمساعدتي، على أي حال أنا لا أكتب فيلما وثائقيا حيث كل شيء مبني على حقائق تاريخية و سأقول فقط أن مسلسل فاكينجز هو ثاني أكثر المسلسلات مشاهدة في إسكندنافيا و يرى أنه مطابق بشكل جميل للواقع ... أجريت حواراً مع رئيس الدراسات الإسكندنافية في جامعة هارفارد و قال لي هذه أول مرة تؤخد ثُقافتي بشكل معقول و ذكي، كما ذهبت لمتحف الفايكينجز بأوسلو و قال لي القيّم على المتحف أود فقط أن أشكرك، بسبب مسلسلك تضاعف عدد زوار المتحف .. لقد أعدت اجياء الإهتمام بتاريخنا"

----------------------
المصادر :