من طفل في قرية فقيرة بجنوب السنغال يحلم بأن يلعب في كأس العالم، الى واحد من أفضل اللاعبين في العالم ضمن فريق هو بطل للعالم، هذه قصة ساديو ماني الذي خاض رحلة انسانية و كروية شاقة اخدته من السينغال مرورا بفرنسا، النمسا ثم انجلترا .
الطفولة و بداية الحلم
ولد ساديو ماني في الـ 10 من أبريل سنة 1992 . و ترعرع في قرية صغيرة تسمى "بومبالي" تابعة لجهة "سيديو" في جنوب السنغال . كانت أسرته فقيرةً بحيث لم تستطع تحمل تكاليف تربيته هو و باقي اخوته، لهذا قضى ماني معظم طفولته مع عمه . و خلال هذا الوقت بدأ اهتمامه بلعب كرة القدم رفقة أطفال قريتة . و لم يلتحق بالمدرسة لأن والديه لم يستطيعا تحمل تكاليف ذلك . لهذا فأن كرة القدم كانت تأخد كل وقته، بحيث كان يلعبها على مدار اليوم .
الحدث الذي جعله يفكر في إحتراف كرة القدم، هو مشاهدته لما حققه منتخب السينغال خلال مشاركته الأولى في كأس العالم سنة 2002، بحيث هزم حامل اللقب منتخب فرنسا في دور المجموعات ثم أطاح بمنتخب السويد في ثمن النهائي ليصل للدورالربع قبل أن يخرج على يد منتخب تركيا بهدف ذهبي في الوقت الإضافي . حفزه هذا على التفكير في كرة القدم بجدية كبيرة . في الأول لم يكن والداه موافقان على خططه، بحيث كانا يريدان له أن يتبع خطا والده و يصبح إماما، الا أن ماني كان مصمما على مواصلة حلمه، و يَحكي أنه في عمر الخامسة العشرة سافر سرا لداكار باحثا عن حلمه، قبل أن يجدوه بعدها بأسبوع و يعيدوه للقرية .
بداية المسيرة
في سنة 2009 أقنع أسرته بأن تسمح له للذهاب لمدينة "امبور" و هي مدينة كرة القدم بالسنغال، و ذلك ليبحث له عن فرصة، و قد أفلحت رحلته بحيث تم استقطابه من طرف أحد المنقبين لإجتياز اختبارات الأداء في أكاديمية "جينيراسيون فوت" بداكار . و هي مدرسة كرة قدم معروفة بتصديرها للاعبين موهوبين الى الدوريات الأوروبية .
و بمساعدة من عمه الذي قدم له كل الدعم في بداياته، و أسرته التي باعت محصولها الزراعي لدفع تكاليف انتقاله، و جميع سكان قريته الذين قدموا كل ما يقدرون عليه لمساعدة ماني الصغير، انتقل الى داكار و استقر في بيت عائلة كان عمه على معرفة بها .
و في يوم الإختبار قابل ماني رجلا يبدوا أنه واحد من المدربين في الأكاديمية و الذي سأله : "هل أنت هنا من أجل الإختبار" فرد ماني بالإيجاب، ثم قال له الرجل : "كيف ستجري الإختبار بهذا الحذاء المهترئ، و كذلك بهذا القميص ؟ ألا تملك قميصا مناسبا لكرة القدم ؟" فأخبره ماني بأنه هنا فقط ليلعب كرة القدم و قد جاء بأفضل ما يملك . و عندما دخل لأرضية الميدان قدم أداء مميز، و بعد نهاية الإختبار جاء اليه ذلك المدرب و عليه علامة الدهشة مخبرا اياه أنه يريده في فريق الأكاديمية .
الإنتقال لأوروبا و صعوبة التأقلم
في خريف 2011 و بعد موسمين مع "جينيراسيون فوت" سجل خلالهما 131 هدف في 90 مباراة و ساهم خلالهما بصعود النادي للدرجة الثانية في الدوري السينغالي، خطف ماني أنظار بعض كشافي المواهب الفرنسيين و الذين اقنعوه بالانتقال الى فرنسا من بوابة نادي ميتز الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية الفرنسي .
ساديو ماني رفقة نادي ميتز الفرنسي |
عند انتقاله لفرنسا كان في التاسعة عشرة من عمره ، و لم تعلم عائلته بانتقاله حتى استقر في فرنسا، بحيث أن أول من اتصل به كانت والدته التي لم تصدق ماني عندما أخبرها أنه في فرنسا و ظلت تسأله أي فرنسا ؟ ثم أخبرها أنها فرنسا التي في أوروبا و مع ذلك ظلت تتصل به، حتى أخبرها أن تشاهد احدى مباريات فريقه، و عندها اقتنعت كليا .
وهناك واجه صعوبات كبيرة في التأقلم و عان من اصابة أبعدته عن الملاعب لمدة، و لم يلعب سوى 19 مباراة سجل فيها هدفا وحيدا . لينتهي الموسم بهبوط نادي ميتز للقسم الثالث . لكن في صيف نفس السنة أظهر ماني مستوى عالي رفقة منتخب السينغال الأولمبي، خلال اولمبياد لندن 2012، ليشد له الأنظار من جديد و هذه المرة كانت الوجهة نادي ريدبول زالسبورج النمساوي . و قدرت الصفقة بـ 4 مليون يورو و كانت ثالث أكبر صفقة يقوم بها نادي ميتز الفرنسي .
تجربة موفقة في النمسا
في السابع و العشرين من أكتوبر سنة 2012 سجل ماني أول هاتريك له في مسيرته الإحترافية، و في الموسم التالي لعب مباراته الأوروبية الأولى و كانت في مواجهة فينربهشة التركي في الدور التمهيدي من دوري الأبطال و بعدها وصوله رفقة زالسبورج لدور الستة عشر من الدوري الأوروبي . خلال موسمين سجل ماني 45 هدف خلال 87 مشاركة له مع زالسبورج، و عنها بدأ يفكرفي تجربة في احدى الدوريات الخمس الكبرى و هذا ما دفعه للظغط على ادارة زالسبورج لتوافق على انتقاله . و في الأخير تحقق مبتغاه و انتقل في الأول من سبتمبر 2014 لنادي ساومثهامبتون الانجليزي بصفقة وصلت لـ 15 مليون يورو .
ساديو ماني رفقة نادي ريدبول زالسبورغ |
حلم اللعب في الدوري الإنجليزي أصبح حقيقة
أول مباراة لماني مع فريقه الجديد كانت ضد أرسنال في كأس الرابطة و الذي انتهى بفوز ساوثهامبتون 2 لـ 1 . أما أول ظهور له في البريمرليج فكان في مبارة هزم فيها ساوثهامبتون نادي كوينز بارك . أول هدف له في انجلترا سجله خلال مواجهة ستوك سيتي . بعدها واصل هوايته في تسجيل الأهداف و سجل في ثلاث مباريات متتالية كانت على كل من كريستال بالاس، تشيلسي و أرسنال قبل أن يسجل أول هاتريك له في وقت قياسي قدر بدقيقتين و 56 ثانية أمام أستون فيلا . و أقرب رقم له كان للاعب ليفربول السابق روبي فاولر بـ 4 دقائق و 33 ثانية . أما أولى مشاركاته الأوروبية رفقة ساوثهامبتون فكانت في الـ 30 من يوليو سنة 2015 في الدور الثالث من الدوري الأوروبي أمام فيتيس ارنهايم الهولندي، و سجل أول أهدافه في مباراة العودة في السادس من اغسطس . ثم واصل هوايته التهديفية و انهى موسم 2015 – 2016 كهداف لنادي ساوثهامبتون بـ 15 هدفا .
ساديو ماني رفقة نادي ساوثهامبتون |
الإنتقال لنادي ليفربول و بداية الهيمنة
هذا الظهور المميز و الأداء الجيد جذب اليه انتباه يورجن كلوب مدرب ليفربول، و الذي حاول التعاقد معه سابقا عندما كان يتولى الإدارة التقنية لدورتموند . في الأخير تمت الصفقة في صيف 2016 بمقابل 36 مليون يورو ليصبح انذاك ثاني أغلى لاعب في تاريخ ليفربول بعد أندي كارول، و أغلى لاعب افريقي في تاريخ كرة القدم .
ساديو ماني بعد توقيعه لنادي ليفربول |
أول ظهور له مع ليفربول كان في مواجهة أرسنال و التي انتهت بـالفوز 4 – 3 ، و ساهم فيها ماني بهدف الفوز . ثم جاء هدفه الثاني في الوقت بدل الضائع أمام ايفرتون خلال ديربي المارسيسايد و الذي انتهى لصالح ليفربول بـ 1 – 0 . في أول مباراة للفريق مع بداية 2017 سجل هدفين أمام توتنهام . ليواصل رحلته التهديفية مختتما الموسم بـ 13 هدف و ضمن التشكيلة المثالية في البريمرليج و أفضل لاعب في ليفربول خلال موسم 2016 - 2017 .
في الموسم التالي أصبح ماني جزءا من رباعي هجوم ليفربول الخارق و الذي ضم كذلك محمد صلاح، فيرمينيو و كوتينيو ، قبل أن يتحول لثلاثي بعد مغادرة هذا الأخير قلعة الريدز باتجاه برشلونة في منتصف الموسم . سجل ماني أول هاتريك له مع ليفربول خلال مواجهة خارج الديار أمام بورتو في دور الثمن، من دوري أبطال أوروبا، هذا اللقاء الذي انتهى بـخماسية نضيفة لصالح الريدز. بأدائه المميز رفقة زملائه تمكنوا من بلوغ نهائي دوري الأبطال، و الذي خسروه أمام ريال مدريد، و خلال هذه المباراة سجل ماني هدفا وحيدا للريدز ليصبح أول لاعب سينغالي يسجل في نهائي لدوري الأبطال .
خلال شهر نوفمبر من سنة 2018 مدد ماني عقده مع ليفربول، و بحلول مارس من سنة 2019 سجل هدفه الخمسون رفقة الريدز خلال مواجهة بيرنلي . بعدها بثلاثة أيام سجل هدفين أمام بايرن ميونيخ في دوري الأبطال، ليساهم في تأهل فريقه لربع النهائي . و في آخر مباراة له في البريمرليخ خلال موسم 2018 – 2019 سجل هدفي الفوز امام وولفرهامبتون . لينهي الموسم بـ 22 هدف و واحدا من الثلاثة الذين تقاسموا الحذاء الدهبي لأفضل هداف في الدوري الانجليزي . خلال المباراة النهائية لدوري الأبطال و التي جمعت ليفربول بتوتنهام ساهم ماني في تحقيق ضربة الجزاء التي حولها محمد صلاح لهدف تقدم الريدز، قبل أن يختم اوريغي المباراة بهدف ثاني قرب نهاية اللقاء . ليصبح الفريق بطلا جديدا لأوروبا منهيا هيمنة ريال مدريد .
ساديو ماني يحقق دوري الأبطال رفقة نادي ليفربول |
و خلال الموسم الحالي حقق ماني رفقة ليفربول كأس السوبر الأوروبي و كأس العالم للأندية و صدارة للدوري الإنجليزي يأمل كل مشجع للريدز أن تتحول للقب تاريخي طال انتظاره . و حتى اللحظة سجل ماني 11 هدفا في الدوري و هدفين في دوري الأبطال .
ماني رفقة منتخب السنغال
أول مشاركة دولية لماني كانت في الألعاب الأولمبية سنة 2012، و التي وصل فيها منتخب السنغال لدور الربع . ثم لعب في كأس افريقيا 2015 بغينيا الإستوائية ثم 2017 في الغابون و وصل مع أسود التيرانغا لربع النهائي قبل أن يخرجوا من المنافسة بعد ركلات الترجيح أمام الكامرون . خلال هذا اللقاء ضيع ماني ركلة جزاء، تسببت في استياء كبير دفع بعضا من الجماهير السينغالية الى الهجوم على منزل عائلة ماني و تخريب بعض ممتلكاتها .
ساديو ماني رفقة منتخب السينغال |
ثم قاد منتخب السينغال في كأس العالم 2018 ، و خرجوا منه من الدور الأول بعد مباراة مثيرة أمام اليابان انتهت بالتعادل بالأهداف و النقاط ليعبر منتخب اليابان للدور التالي بسبب الإحتكام للعب النظيف . و في صيف 2019 عاد ماني مع منتخب السنغال لكأس افريقيا وواصل رحلته هذه المرة حتى النهائي الذي خسروه بهدف وحيد أمام الجزائر . لعب ماني حتى اللحظة 69 مباراة للسينغال سجل خلالها 19 هدفاً .
ماني المتواضع و الإنسان الكريم
لا يُعرف الكثير عن حياة ماني الخاصة بحيث يركز بشكل كبير على كرة القدم و يتحاشى التحدث بالأمور الخاصة أمام الإعلام، و ما نعرفه هو أنه لاعب متواضع و مسلم مجد في واجباته الدينية .
ساهم ساديو ماني بجزء كبير من ثروته التي تقدر بـ 8 مليون دولار في الأعمال الخيرية، بحيث بنا مسجدا و مدرسة بمواصفات حديثة في قريته بامبالي، و هو حاليا يعمل على بناء مستشفى كبير في جنوب السنغال .
و قد أحدثت صورة في الأيام الأخيرة ضجة كبيرة في مواقع التواصل الإجتماعي بحيث ظهر ساديو ماني قبل مباراة ليفربول أمام ليستر و هو يحمل هاتفا بشاشة مكسورة و هو غير مبالي بذلك، بحيث رأى فيها المتابعون بساطة و تواضعاً من اللاعب الذي على ما يظهر يركز على كرة القدم و لا يلقي بالاً بالشكليات .
الصورة موضوع الضجة |