ماذا ان طبعت الدولة كميات كبيرة من النقود ؟



اذا انطلقنا من تصور بديهي، دائما ما كان يراودنا منذ الصغر; لماذا لا تقوم الدولة بطباعة كميات كبيرة من النقود ؟ و هكذا يمكنها القضاء على الفقر، و تجاوز المشاكل المتعلقة بالهشاشة الإجتماعية .. 

حتما هو من التصورات و الأفكار التي لم يسلم أي شخص من التفكير فيها، لكن ما ان يتم فهم النظام الاقتصادي و لو بصورة سطحية، يتلاشى هذا التفكير و تظهر سداجتنا جلية . حتما سأكون سادجا لو احتفظت بهذا التصور و أنا في هذا العمر، لهذا دعونا نستعرض الموضوع بطريقة تحليلية، و من خلال شرح مبسَّط لدينامية النقود داخل اقتصاد الدول .

لنأخد فكرتنا على محمل الجد، و لنعتبرها صحيحة ، اذن ستقوم الدولة بـ"طباعة" كميات كبيرة من النقود و هكذا سيحصل كل منَّا على كمية مهمة منها، و بالتالي سنتمكن من شراء كل ما نريد، و مباشرة سيعرف الطلب على السلع و الخدمات ارتفاعا مهولا، يتجاوز العرض الكلي ، كما سيعرف الاقتصاد حالة خلل في التوازنات و هذا ما سيدفع بالمنتجين الى رفع الأسعار كردة فعل تلقائية من أجل اعادة احلال التوازن بين العرض و الطلب المتزايد ، و بسبب هذه الزيادة في الأسعار، سيعيش الاقتصاد حالة تضخم، ستؤثر على قيمة العملة التي ستنزل الى أدنى مستوياتها، و كنتيجة لتدني قيمة النقود، ستُفقد الثقة تدريجيا في العملة المحلية للدولة، و بفقدانها سنكون أمام نهاية حتمية لهذه العملة، فالثقة هي أساس النظام النقدي الحالي ، كما أن تقييمنا للنقود لا ينم عن قيمتها في ذاتها بل لكونها وثيقة موثوق بها في أي مكان و زمان ، و بواسطتها يمكننا الحصول على أي سلعة أو خدمة نريد .

عديد من الدول عانت من اشكالية التضخم و تدني قيمة عملتها ، و خير مثال هو دولة زيمبابوي، التي شهدت نسبة تضخم و صلت في سنة 2008 الى 231 مليار بالمئة ، أجل انه رقم كبير للغاية، سُجل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، و حتى انه بـ 5 دولار أمريكي يمكننا الحصول على 175 مليون مليار دولار زيمبابوي . في مثل هذه الحالة سيظطر المواطن لترك هذه العملة و استعمال أُخرى أكثر استقرارا منها ، و هذا ما حدث في البرازيل في سنوات الثمانينات، حيث عانت البلاد من نِسب تضخم كبيرة، نتيجة تدني قيمة العملة المحلية ، و هذا ما جعل المواطنين يتوجهون نحو استعمال الدولار الأمريكي في ظاهرة سميَّت بـ"الدولرة Dolarisation" ، في هذه الحالة اجتمع التضخم و نهاية حياة العملة و انضافت لهم الدولرة ، التي أفقدت الدولة احتكارها لإنتاج النقود . طبعا لم تقف الحكومة البرازيلية مكتوفة الأيدي، بل قامت في سنة 1994، بطَبع عُملة جديدة سُميَّت "الريال" ، أعادت من خلالها الثقة التي فقدتها سابقا نتيجة التضخم .

 قد يتساءل البعض منا، عن ماهية الشروط التي تحدد لنا كمية النقود، التي يجب حقنها داخل الاقتصاد .. 
قبل قيامنا بذلك يجب أولاً تحديد معدلات النمو الإقتصادي، و أعني هنا الناتج الداخلي الخام للدولة، فمن خلاله نحدد كمية السلع و الخدمات التي تُنتج داخل اقتصادها، و هذا ما يعطينا صورة واضحة عن وضعيتنا الإقتصادية، هل نحن في نمو و ازدهار ؟ أم أننا في حالة ركود و بطالة ؟  اذن فكمية النقود أو السيولة، تتحدد حسب معدلات النمو، و الوضعية الإقتصادية .

لكن من يقوم بهذه المهمة و كيف ؟ 

يكمن الجواب في انشاء بنك مركزي مستقل بذاته ، جلُّ اهتمامه مراقبة الإقتصاد، و تحديد كمية النقود داخله ، و يتم هذا التحكم عبر سعر فائدة يقوم البنك المركزي بتحديده، و هذا الأخير يتحكم في معدلات الفائدة لدى الأبناك التجارية ، و الذي بموجبه تُقدَّم قروض للفاعلين الاقتصاديين . فإن تبيَّن بأن كمية النقود كبيرة داخل الاقتصاد ، و خوفا من الوقوع في حالة تضخم ، يرفع البنك المركزي من سعر الفائدة من أجل تقليص النقود داخل الإقتصاد، و ذلك من خلال تشجيع الفاعلين الإقتصاديين على الإدخار .
و ان تبين العكس (كمية النقود محدودة داخل الاقتصاد) ، يقوم البنك المركزي بتقليص سعر الفائدة، من أجل تشجيع الفاعلين، على الطلب الفعلي سواء الطلب على السلع - و بالتالي خفض الإدخار- أو الطلب على الإستثمار .

 اذن فنحن نتحدث عن نظام دقيق ، يسير و كل الأعين عليه تراقبه ليل نهار، من أجل تجنب الغرق في معضلة كالتضخم في حالة سيولة أكبر من المعدل،  أو الوقوع في مشكلة كالركود في حالة نقصانها (السيولة) ، حتى أنه بسبب الدور الذي تلعبه النقود في ظبط التوازنات الاقتصادية، ظهرت مدارس فكرية اقتصادية، اعتبرت أن النقود أساس الاستقرار و منبع الأزمات داخل النظام الإقتصادي  كما هو الحال مع المدرسة النقدية  Monetarism التي تزعمها ميلتون فريدمان .   

حقائق مهمة يجب معرفتها عن ألمانيا | الجزء الثاني


كنا قد تطرقنا سابقا و في الجزء الأول من هذا البحث حول ألمانيا، الى أبرز ما يميزها عمرانيا، ثقافيا و علميا . لكن لازال ينقصنا عديد الحقائق التي من الجيد سردها ، كونها مهمة بشكل كبير و تتجلى في عديد من الميادين ، و التي سنستعرضها لكم كالتالي :

الوسط و البيئة :

- يعتبر الألمان من رواد الحركات البيئية و السياسات الخضراء ، كما أن أول حزب أخضر كان قد ظهر في ألمانيا قبل أي دولة أخرى، و هو حزب Die Grünen الذي تأسس سنة 1979-1980 . كما تعتبر الى جانب عدد قليل من الدول (من ضمنهم بلجيكا) أول من كان للأحزاب الخضراء مكان ضمن الأغلبية الحكومية ، و ذلك ما بين سنة 1998 و 2005 الى الآن .
- مصطلح Ecology و ضع من طرف العالم البيولوجي Ernst Haeckel سنة 1866 قبل أن ينتشر في أنحاء العالم و يتحول الى علم مهم و حركة أهم بكثير .
- منطقة Drachenfels بمدينة Siebengebirge داخل ولاية شمال الراين - ويستفاليا، تعتبر أول محمية طبيعية في العالم حيث تمت تسميتها سنة 1836 .
- سنة 2005 استطاعت ألمانيا أن تنتج 35% من الطاقة الريحية على مستوى العالم ، و لها أكثر من 20.000 توربين هوائي تتواجد على الساحل الشمالي للبلاد . أطولها يبلغ ارتفاعه 200 متر .
- يعتبر الشعب الألماني من بين أكثر الشعوب إهتماما بالتدوير . و وفقا لمسح أجرته محطة BBC ، ألمانيا لها ثالث أعلى معدل تدوير في العالم ، حيث 48% من النفايات تتم إعادة تدويرها، و تتفوق في ذلك عليها كل من سويسرا و النمسا .

 التاريـــــــــــخ :

- أقدم مرصد شمسي معروف في أوروبا هو ما يسمى دائرة Goseck التي تتواجد بولاية سكسونيا أنهالت Saxony-Anhalt الألمانية . و تم بنائه قبل حوالي 7000 سنة .
- الإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الألمانية، تمَّ تأسيسها من طرف شارلمان بمدينة آخن Achen سنة 800 م و ظلت قائمة لحوالي ألف سنة ، قبل أن يسقطها نابليون بونابرت الذي ربما رأى أنه شارلمان الغرب و امبراطوره الجديد .
- يعتبر الألماني Hildegard of Bingen أول ملحن معروف السيرة في التاريخ، و تعتبر أعماله أساس ما أصبح يعرف بالأوبيرا ، و ذلك بعد أكثر من 400 عن وفاته .
- لعبت ألمانيا دورا مهما في عملية الإصلاح المسيحي  . كما تمَّت طباعة أول إنجيل في التاريخ على يد المخترع الألماني يوهان غوتنبرغ بمدينة ماينز سنة 1456 . كما مكَّن إختراع المطبعة الناس من امتلاك الكتب على اختلاف أنواعها و هذا ما كان محتكر من طرف النبلاء و من هم في أعلى الهرم . و لم يمر وقت طويل و ها هو ألماني آخر مارتن لوثر (1483-1546) يقوم بالمقارنة ما بين تعاليم الكتاب المقدس و ممارسات الكنيسة الكاثوليكية ، ويجد تناقضات كبيرة، و في سنة 1517 علَّق لوثر رسائله الـ 95 الشهيرة على باب كنيسة القلعة في فيتنبرغ (ساكسونيا أنهالت)، و التي أكد فيها بأن الكتاب المقدس هو مصدرالسلطة الدينية ، و اعتبر الكنيسة بيتاً لكل المؤمنين . و تسبب هذا الإصلاح البروتستانتي في اشتعال حرب الثلاثين عاماً (1618-1648) ، التي اجتاحت جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، و التي أدت الى استقلال سويسرا و المقاطعات المتحدة من هولندا .
- جامعة ماربورغ (جامعة فيليبس ماربورغ)، في ولاية هيسن الألمانية، التي تأسست سنة 1527م تعتبر أول جامعة بروتستانتية في العالم. 
- أقدم بنك ادخار في العالم أنشئ في أولدنبورغ (ساكسونيا السفلى) بألمانيا ، سنة 1786م .
- كان أول خط ترام كهربائي في العالم قد افتتح في العالم هو (Gross-Lichterfelde Tramway) في ضاحية Lichterfelde  بالعاصمة برلين ، سنة 1881. وقد تم بناؤه من قبل شركة Siemens & Halske ، والتي أصبحت فيما بعد جزءا من شركة سيمنز AG.

المنشئات و الهندسة المعمارية :

- تتواجد بمدينة أولم Ulm أطول كثدرائية في العالم ، يبلغ إرتفاعها 161.5 متر (530 قدم) ، بدأت عملية بنائها سنة 1377م و انتهت في 31 مايو 1890م .
- يتواجد بقصر فورتسبورغ بمدينة فورتسبورغ الألمانية أكبرعدد من اللوحات الجدارية الجصيَّة، التي أبدعها الرسام الإيطالي البندقي جامباتيستا تييبولو بمساعدة من ابنه جاندومينيكو .
- يعتبر الطريق السريع الألماني من أقدم شبكات الطرق السريعة في العالم (تمَّ انجاز الجزء الأول سنة 1932)، فضلا عن كونه الأكثف (12000 كلم لبلد مساحته 357021 متر²) . و يعتبر الوحيد في أوروبا الذي لا يفرض حدودا للسرعة .
- بمدينة Schonach im Schwarzwald ، تتواجد أكبر ساعتيّ وقواق (تصدر صوت وقواق على رأس كل ساعة) في العالم  ، و واحدة من هاتين الساعتين يبلغ طولها 5 أمتار و تزن 150 كيلوغرام .
- تحت مدينة برلين توجد مدينة من الأنفاق و المخابئ التي خلفها النظام النازي، و يوجد أكثر من 300 مخبأ و مئات الكيلومترات من الأنفاق المعلومة و غير المعلومة بسبب الإنهيارات التي تسببها الفيضانات و المياه الجوفية .
- أكبر محطة قطار في أوروبا، افتتحت بمناسبة كأس العالم سنة 2006 .  

الإقتصــــــــاد :


- منذ 2003 ، تعتبر ألمانيا أكبر مصدِّر للبضائع في العالم برقم يساوي 1 ترليون دولار . كما أن 10.01% من صادرات العالم تأتي من ألمانيا .
- ألمانيا ثاني أكبر مصنِّع للسيَّارات في العالم بعد اليابان و كذلك الحال بالنسبة لصناعة المحركات و تأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية .
- مصنع BASF الألماني، هو ثاني أكبر مصنع كيميائي في العالم . يشغِّل حوالي 87000 شخص في 160 شركة تابعة و مشاريع مشتركة في حوالي 41 دولة .
- صنِّفت ألمانيا في المركز الأول على مستوى الكتاب السنوي للتنافسية لسنة، و كذلك على مستوى حماية الحقوق التجارية و الصناعية .
- بعد معاناة مع واحد من أكبر معدلات البطالة في أوروبا بلغ 14% في 2006 ، ألمانيا الآن لها أدنى المعدلات بحوالي 4.5% في منتصف 2015 .
- سنة 2006 ، سجَّلت ألمانيا أعلى نسبة ضريبة على الشركات في أوروبا ، حيث وصلت الى 40% .
- يتمركز البنك المركزي الأوروبي بمدينة فرانكفورت الألمانية التي تعتبر وُول ستريتْ أوروبا .
- مطار فرانكفورت الدولي، هو الأول عالميا، من حيث عدد الوجهات الدولية المقدمة . كما أنه مركز شركة لوفتهانزا Lufthansa الألمانية للطيران، و تعتبر هذه الأخيرة الأكبر أوروبيا من حيث عدد المسافرين الدوليين ، كم الركاب و كذلك الشحن اضافة الى حجم الأسطول الجوي .
- DELAG (هيئة نقل المنطاد) كانت أول شركة طيران تتأسس في العالم ، و ذلك في 16 نوفمبر سنة 1909 بفرانكفورت .
- أكبر مركز تسوُّق في العالم في أوروبا هو KaDeWe في العاصمة برلين، بأكثر من 60 ألف متر مربع .
- و حسب ترتيب مدن مليونيرات العالم لسنة 2013 (World city millionaire Rankings) ، مدينة فرانكفورت لها أصحاب ملايين أكثر من أي أي مدينة أخرى في العالم، و تليها ميونخ .

كل هذه الحقائق سواء التي قمنا بسردها في جزئنا الأول أو الثاني ، تعطينا صورة قد تكون تقريبا مكتملة، عن دولة كان لها تاريخ طويل نسج لها حاضر مُنير و تخطط لمستقبل أفضل يجعلها دائما في القمة .. هي ببساطة مثال يحتدى به .

-------------------------------------
المصدر هنا
ترجمة و تدقيق : ســعيد كــمــيح